الرد على شبهة: يَا أَبَتَاهُ، إِنْ شِئْتَ أَنْ تُجِيزَ عَنِّي هذِهِ الْكَأْسَ. - موقع مسيحيين متحدين لأجل المسيح


هل هرب المسيح من الصليب؟

مقدمة

لقد قمنا في المرة السابقة بشرح عن كيف يتكلم يسوع المسيح مع الله لآب ويُصلي وهو نفسه الله, لذلك ننصحكم بقراءة المقال بالضغط على الجملة في الأزرق قبل قرائتكم هذا المقال. 

أما في هذه المرة, فسوف نقوم بالتطرق الى الصلاة نفسها التي صلاها يسوع عندما كلم الله الآب, لنفهم ماذا قصد يسوع في كلامه حينها.

الشبهة

كثيرًا ما يعتبر البعض أن المسيح قد شاء أن لا يُصلَب بكونه قال في بستان جثسيماني: «يَا أَبَتَاهُ، إِنْ شِئْتَ أَنْ تُجِيزَ عَنِّي هذِهِ الْكَأْسَ. وَ لكِنْ لِتَكُنْ لاَ إِرَادَتِي بَلْ إِرَادَتُكَ». (لوقا 22: 42)

يفهم البعض هذا الكلام على أنَّ المسيح لم يكُن يريد أن يُصلب، فهل هذا صحيح؟

هل المسيح لم يرد أن يُصلَب؟

حاشا، بالطبع عندما قال المسيح هذا الكلام فهو لا يقصد أنه لا يريد الصلب، فإن المسيح قد قال: اَلآنَ نَفْسِي قَدِ اضْطَرَبَتْ. وَ مَاذَا أَقُولُ؟ أَيُّهَا الآبُ نَجِّنِي مِنْ هذِهِ السَّاعَةِ؟ وَ لكِنْ لأَجْلِ هذَا أَتَيْتُ إِلَى هذِهِ السَّاعَةِ (يوحنا 12: 27) انظروا إلى كلام المسيح هُنا، ها هو الآن يقول أنه قد أتى من أجل الصلب أصلاً. 

و قد قال أيضاً لتلميذه بطرس عندما حاول ان يدافع عنه و قطع اذن العبد، قال له السيِّد المسيح مُنتهراً إياه: فَقَالَ يَسُوعُ لِبُطْرُسَ: «اجْعَلْ سَيْفَكَ فِي الْغِمْدِ! الْكَأْسُ الَّتِي أَعْطَانِي الآبُ أَلاَ أَشْرَبُهَا؟». (يوحنا 18: 11)
يقصد في كلامه أنه سيُصلب، هذا معنى "الكأس التي أعطاني الآب"، أي كأس الألم.

و مرة أُخرى عندما حاول بطرس أن يقول له: حَاشَاكَ يَا رَبُّ! لاَ يَكُونُ لَكَ هذَا! (متى 16: 2) كان بطرس الرسول يظهر محبته للمسيح عندما قال له هذا الكلام، و هذا هو الحوار الذي دار بين المسيح و بطرس:
مِنْ ذلِكَ الْوَقْتِ ابْتَدَأَ يَسُوعُ يُظْهِرُ لِتَلاَمِيذِهِ أَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يَذْهَبَ إِلَى أُورُشَلِيمَ وَ يَتَأَلَّمَ كَثِيرًا مِنَ الشُّيُوخِ وَ رُؤَسَاءِ الْكَهَنَةِ وَ الْكَتَبَةِ، وَ يُقْتَلَ، وَ فِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ يَقُومَ. فَأَخَذَهُ بُطْرُسُ إِلَيْهِ وَابْتَدَأَ يَنْتَهِرُهُ قَائِلًا: «حَاشَاكَ يَا رَبُّ! لاَ يَكُونُ لَكَ هذَا!» فَالْتَفَتَ وَ قَالَ لِبُطْرُسَ: «اذْهَبْ عَنِّي يَا شَيْطَانُ! أَنْتَ مَعْثَرَةٌ لِي، لأَنَّكَ لاَ تَهْتَمُّ بِمَا للهِ لكِنْ بِمَا لِلنَّاسِ».(متى 16)
فقد قال الرب يسوع المسيح لبطرس أول المؤمنين به "شيطان"! و بالنسبة لكلمة "يا شيطان": بالرغم من صعوبة الكلمة، إلاَّ أنَّ المسيح قصد بها أن يؤكد أنه لا يوجد من يريد تعطيل الفداء سوى الشيطان نفسه. و قالها لبُطرس لأنه حاول ان يُبعد الرب عن الصليب.

إذن ما هو قصد المسيح؟

إلى الآن عرفنا أنَّ المسيح كان راضياً و جاهزًا و يريد أن يُصلب، إذًا ماذا قصده بصلاة جثسيماني عندما قال للآب "إن شئت أن تُجيز عني هذه الكأس"؟

نعلم أنَّ المسيح له طبيعة بشرية انسانية مثلنا بالضبط تشعر بالخوف و الآلام! فقد ركع بجثسيماني متوسلاً بطبيعته البشرية أنَّ الكأس يُعبر عنه لأنه هو البار فلن يقدر ان يتحمل كأس الخطايا و ذنوب الناس؛ و يرى الناس الذين احبهم يقفون يطلبون صلبه و تحرير براباس بداله.. و طبعًا بكونه إنسان، فيجب أن يشعر بالخوف من عذابات الصليب المؤلمة فكم للصليب من آلام و جلدات و شوك و مسامير وها هو قد حمل الصليب على موضع الجلجثة!

فالرب يسوع المسيح كان يمُر بألم نفسي رهيب بسبب آلام الجسد. و بسبب عدم محبة الناس له مع أنه قدَّم لهم الحُب و لأنه هو الوحيد الذي بلا خطيئة و هو الوحيد القدُّوس و مع هذا سيحمل كل خطايا العالم. فلو لم يشعر المسيح بالآلام قبل الصليب لكان أُظهر شكوكًا حول انسانيته لأنه لا يوجد إنسان لا يخاف من الصلب!

فنعم المسيح بكونه تجسَّد أي أصبح إنساناً كاملاً مثلنا، فقد خاف و تمنى بطبيعته البشرية أنَّ لا يُصلب و لكنه قال من بعدها معلمنا يسوع المسيح، مُعلماً إيانا ان مشيئة الله فوق الجميع فقد قال: وَ لكِنْ لِتَكُنْ لاَ إِرَادَتِي بَلْ إِرَادَتُكَ. (لوقا 22: 42) و ارادة ومشيئة الآب ان يخلص العالم بصليب ابنه الوحيد الإله المُتجسِّد يسوع المسيح؛ فقد أظهر لنا المسيح  الطاعة الكاملة للآب، و قد قال القديس اغناطيوس عن المسيح: "لنتعلم الطاعة لله كما ان المسيح أطاع الله بالجسد". و كما قال الرسول بولس: وَ إِذْ وُجِدَ فِي الْهَيْئَةِ كَإِنْسَانٍ، وَضَعَ نَفْسَهُ وَ أَطَاعَ حَتَّى الْمَوْتَ مَوْتَ الصَّلِيبِ. (فيلبي 2: 8)
لنلاحظ هذه الدقة من الرسول بولس! يقول: و إذ كان بالهيئة كإنسان أطاع الله بالموت على الصليب! لأنه انسان اخذ شكل عبد كما يقول الكتاب المُقدَّس في (فيلبي 2: 6). أصبح مثلنا له جميع الطوابع الانسانية فخاف من آلام الصليب مُظهرًا لنا مدى الآلام التي تحملها من أجلنا لدرجة أنه هو بنفسه خاف من آلام الصلب. و لكن لانه ابن الله و لأنه جاء لهذه الساعة فعل مشيئة الآب السماوي و أطاع حتى الموت موت الصليب!

هل الله يخاف؟

و طبعاً سيعترض المُشكك الآن و يقول: و هل الله يخاف؟ و لكن كالعادة هذه أسخف شُبهة؛ و الحمدلله قد قمنا بالرد عليها كثيراً، نحن لا نقول أنَّ الله يخاف و لكن لأنَّ الله اتخذ طبيعة إنسانية (بشرية)، فأصبح هُنا الرب يسوع المسيح يشبهنا كبشر في كل شيء ما عدا أنه بلا خطيئة، و بما أنه تواضع و تجسَّد لكي يشابهنا لأنه يحبنا و يريد أن يفدينا، فخاف بناسوته و ليس بلاهوته! أي أنه خاف في طبيعته البشرية (كإنسان) و لكنه بطبيعته الإلهية لا يخاف طبعاً!

كيف يسوع و هو الله صلى إلى الله؟

و ليس هو موضوعنا كيف الله يطلب من الله لأننا نعلم الوحدانية الجوهرية بين الآب و الابن و وحدانية المشيئة و التمايز بالأقانيم، فالابن يخاطب الآب بالجسد نائباً عن البشرية التي سيحمل كأسها بآلام الصلب مُظهراً لنا إنسانيته الكاملة و آلام الصليب قائلاً له: "اعبر عني الكأس". و لكن لتكن لا مشيئتي (أي مشيئة جسدي و طبيعتي البشرية)
بل مشيئتك (أي المشيئة التي أرسلتني بقبولي و قبولك من أجلها أي آلام الصليب و خلاص العالم). فالابن لم يأتي ليفدينا بدون إرادته، بل بإرادته المتوافقة مع إرادة الآب نفسه لأنه يحبنا. فقد قال الرسول بولس: إِيمَانِ ابْنِ اللهِ، الَّذِي أَحَبَّنِي وَأَسْلَمَ نَفْسَهُ لأَجْلِي. (غلاطية 2: 20)

مُلاحظة: السيِّد المسيح له طبيعتان، طبيعة إلهية و طبيعة بشرية و نُسمِّي الطبيعة الإلهية "اللاهوت" و البشرية "الناسوت". فالمسيح خاف بناسوته أي كإنسان فقط و لكن كإله أي بلاهوته، فلا يخاف أبداً. و أخذ المسيح الطبيعة البشرية فقط لكي يصبح مثلنا و نجلس معه و نراه و هذا تواضعًا منه و من حُبه لنا. فيسوع المسيح جاء كممثل للبشرية.



كاتب المقال: الأخ مايكل 📝


1 Commentaires

  1. Ce commentaire a été supprimé par un administrateur du blog.

    RépondreSupprimer
Plus récente Plus ancienne